الغنوشي من داخل سجنه: مؤشرات التفكك التي تضرب مفاصل السلطة في تونس تُنذر بقرب أفول مرحلة حكم فردي استنزف كل أدوات السيطرة
وجه رئيس حركة النهضة التونسية، ورئيس مجلس نواب الشعب السابق، راشد الغنوشي، رسالة جديدة من سجنه بالمرناقية يوم أمس الأربعاء 10 دجنبر، في لحظة سياسية تزداد فيها مؤشرات الاحتقان وتتسع فيها دائرة الانتقادات الموجهة للسلطة بشأن مسار الحريات في عهد الرئيس الحالي قيس سعيد.
وتوقف الغنوشي في هذه الرسالة، عند عدد من وجوه المعارضة التي يرى أنها ما زالت "تقاوم" ما يعتبره "انزلاقا نحو مناخ سياسي مغلق"، موجها تحية خاصة لأحمد نجيب الشابي والعياشي الهمامي وشيماء عيسى، ومعتبرا حضورهم دليلا على بقاء مساحة من الحيوية الديمقراطية رغم الظروف الراهنة.
وتناول الغنوشي في رسالته وضعية العياشي الهمامي، الذي وصفه بأنه أحد أبرز رموز اليسار الموجودين خلف القضبان، مشيراً إلى دوره في مقارعة ما يسميه منطق الإقصاء والدفاع عن المتهمين في القضايا ذات الطابع السياسي.
كما خصّ أحمد نجيب الشابي بمساحة واسعة من الرسالة، مبرزا ما يعتبره اختراقا حققه الشابي حين قاد مبادرة جمعت تيارات مختلفة داخل جبهة الخلاص الوطني، في تحدّ لما يصفه الغنوشي بجدار القطيعة الذي ترسّخ في تجارب الحكم المتعاقبة.
ويرى الغنوشي أن التجربة التي قادتها جبهة الخلاص الوطني مثلت لحظة سياسية نادرة كسرت أعراف الانقسام، ورمزاً لمقاومة ما يصفه بـ"الاستئصال والدكتاتورية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى الدور الذي يقوم به الحزب الجمهوري ورئيسه عصام الشابي لاستعادة مساحات الحوار السياسي رغم الظروف الضاغطة.
وتزامنت هذه الرسالة مع تطورات ميدانية بارزة، أبرزها اعتقال نجيب الشابي يوم الرابع من دجنبر، وذلك تنفيذا لحكم نهائي يقضي بسجنه 12 عاما في القضية المعروفة بالتآمر، وهي الخطوة التي أثارت رفضا واسعا لدى أحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية اعتبرتها انعكاساً لنهج متشدد يزيد من هشاشة الوضع السياسي.
وتُضاف هذه الاعتقالات إلى سلسلة مداهمات وتوقيفات بدأت منذ فبراير الماضي، وشملت سياسيين وحقوقيين ونقابيين وصحفيين، ما أسهم في تعميق الاتهامات الموجهة للسلطة بالتحول نحو ممارسة تضييقية تنذر بتآكل الضمانات الدستورية.
وتشير هذه التطورات كلها إلى أن الرسائل الخارجة من داخل السجون لم تعد مجرد تعبير شخصي، بل تحولت إلى عنصر من عناصر المواجهة السياسية المفتوحة، في وقت تتزايد فيه المخاوف من انزلاق تونس نحو مناخ سياسي يطغى عليه طابع الدكتاتورية والإقصاء.




